قوله تعالى: {ويل للمطففين} قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله تعالى {ويل للمطففين} فأحسنوا الكيل بعد ذلك. وقال السدي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وبها رجل يقال له: أبو جهينة، ومعه صاعان، يكيل بأحدهما، ويكتال بالآخر، فأنزل الله هذه الآية. وقد شرحنا معنى الويل في [البقرة: 79]. وقال ابن قتيبة: المطفف: الذي لا يوفي الكيل، يقال: إناء طَفَّانُ: إذا لم يكن مملوءاً. وقال الزجاج: إنما قيل: مطفِّف، لأنه لا يكاد يسرق في الميزان والمكيال إلا الشيء الطفيف، وإنما أخذ من طَفَّ الشيء، وهو جانبه.قوله تعالى: {الذين إذا اكتالوا على الناس} أي: من الناس. ف {على} بمعنى من في قول المفسرين واللغويين. قال الفراء: على، ومن يعتقبان في هذا الموضع، لأنك إذا قلت: اكتلت عليك، فكأنك قلت: أخذت ما عليك، كيلاً، وإذا قلت: اكتلت منك، فهو كقولك: استوفيت منك. كيلاً. قال الزجاج: المعنى: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل، وكذلك إذا اتَّزنوا، ولم يَذْكُرْ إذا اتَّزنوا، لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فيما يُكَال ويُوزَن، فأحدهما يدل على الآخر {وإذا كالوهم} أي: كالوا لهم {أو وزنوهم} أي: وزنوا لهم {يُخسِرون} أي: ينقصون في الكيل، والوزن. فعلى هذا لا يجوز أن يقف على كالوا ومِنَ الناس من يجعل هم توكيداً لما كالوا، ويجوز أن يقف على كالوا والاختيار الأول. قال الفراء: سمعت أعرابية تقول:إذا صدر الناس أتينا التاجر، فيكليلنا المدَّ والمدِّين إلى الموسم المقبل.قوله تعالى: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟!} قال الزجاج: المعنى: لو ظنوا أنهم يُبْعَثُون ما نقصوا في الكيل والوزن {ليوم عظيم} يعني به يوم القيامة {يوم يقوم الناس} منصوب بقوله تعالى {مبعوثون}. قال المفسرون: والظن هاهنا بمعنى العلم واليقين. ومعنى: يقوم الناس، أي: من قبورهم {لرب العالمين} أي: لأمره، أو لجزائه وحسابه، وقيل: يقومون بين يديه لفصل القضاء. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في هذه الآية: «يقوم أحدهم في رَشَحِهِ إلى أنصاف أذنيه» وقال كعب: يقفون ثلاثمائة عام. قال مقاتل: وذلك إذا خرجوا من قبورهم.